فن النثر العربي الثاني: المثل الجاهلي: (رجع بخفي حنين)


الأَمْثَالُ الْجَاهِلِيّة

تعريف الْمَثَل ومَفْهُومُه

لُغَةً:

.        الْمَثَلُ: "كلمةٌ مُشْتَقَّة مِنْ مِثْل، أي شِبْه".

.        وكلمة "الْمَثَل" تعني الصفة أيضًا، أي: اشْتِرَاكُ الطَّرَفَيْنَ في صِفةٍ واحدة. فيقال: مَثَلُكَ ومَثَلُ فلان أي: صفتك وصفته.

.        وقال تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّة التي وُعِدَ المتَّقون ...﴾ الرعد: 35، أي: صِفَتُها. ولشدّة امتزاج معنى الصفة به صحَّ أن يقال: "جعلت زيدًا مثلاً.. والقوم أمثالاً". ومنه قول تعالى: "ساء مثلاً القوم...". فقد جعل القوم أنفسهم مثلاً.


اصطلاحا:

.        يذْكُرُ الْمُبَرِّدُ في كتابه "الكامل": إنّ الْمَثَلَ مَأْخُوذٌ مِن الْمِثَال وهو "قولٌ سَائِرٌ يُشبَّه به حال الثاني بالأوّل"؛ فالأصل فيه التشبيه، فقولهم: "فلان أمثل من فلان" أي: أَشْبَهُ بما له من الفضل.

.        "قول عربيٌّ مُوجَز يُنقَل عن مَوْضِعٍ قِيل فيه إلى غَيْرِه مِمّا يُشابهُهُ".

.        وهو حكاية عن حَدَثٍ يتكرّر بِرُوحِه ومَغْزَاه، فَيُقَاس اللاحِقُ منه بالسَّابِق، ويُسْتَشْهَدُ على صحة اللاحق بواقع السابق.

.        وهو مِنْ أَقْدَمِ أنواع الأدب ومِن أَدَبُ الجمهور.

.        كان العربُ في الجاهلية قوماً فُصَحَاء، ولهم تَأَمُّلٌ وتَفْكِير، فكانوا يَضْرِبُون الأمثال، يحتجون بها ويعملون على ذيوعها وروايتها.

.        والْمَثَلُ يدلّ على أخلاقِ قائِلِيه ويُصَوِّر طِباعَهم، ويشيرُ إلى عاداتهم وتقاليدهم، ولذلك يُستشهد به في التعرف على أحوال المجتمع الجاهلي.

.        فالأمثال تصدر عن طبقات اجتماعية متفاوتة، وتُعبّر عن ظروف حياتية متباينة.

.        والأمثال صورة صحيحة من صور الأمم، تمتاز بأنها لا تمثل عقلية طبقة راقية فقط كالشعراء، ولكنها تمثل عقليات الشعب جميعه، لأنها تنبع من طبقاته المختلفة.

.        ويرى إبراهيم النظّام أنه يجتمع في المثل أربعة لا يجتمع في عيره من الكلام: "إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية".


كُتُبُ الأَمْثَال

1.   "أمثال العرب" للْمُفَضَّل الضَّبِيّ (ت168هـ).

2.   "كتاب الأمثال" لأبي عبيد القاسم بن سلام (223هـ).

3.   "جمهرة الأمثال" لأبي هلال العسكري.

4.   "مَجْمَعُ الأَمْثال" لأبي الفضل الميداني (518ه).

5.     "المستقصى من أمثال العرب" للزمخشري (538هـ)


خصائص الأمثال الجاهلية

1.   الإيجاز

2.   جمال الصياغة

3.   إصابة المعنى 

4.   قوة التأثير


نموذج نص المثل: "رَجَعَ بِخُفَّيْ حُنَيْنِ"

معنى المثل: مَثَلٌ عَرَبِيٌّ مَشْهُورٌ يُضْرَبُ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنَ الْحَاجَةِ والرُّجُوعِ بِالْخَيْبَة والانتقام.

فمَنْ هو حُنَيْن هذا؟ وما قِصَّتُه مع خُفّيْه؟


كان رجُل يُدْعَى حُنَين يَقْطُنُ بمدينة الحيرة في العراق، يَعْمَلُ إِسْكَافِيّا (يَصْنَعُ ويُصْلِحُ الأَحْذِيَة)، وكان مَشْهُورًا بإتْقانِه لِصَنْعَتِه، فكان الناسُ يُقْبِلُون عليه بكثرة، ويُثْنون على جَوْدَة أحذيته.

 

وحَدَثَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنْ أَقْبَلَ عليه أَعْرَابِيٌّ يَسُوقُ رَاحِلَتَه والتي يبدو من خلال الأغراض الْمُتَنَوِّعَة عليها، أنه مُسافر أو تاجِر، وكان قد سَمِع عن حُنَيْن وجَوْدَة أحذيته، فسَاوَمَه على زوج من الأحذية حَازَا على إعجابه، وبدأ يُجَادِلُه ويأخذ ويعطي في الرد، وطال الأمرُ حتى أن الزبائن كانوا يَتَرَاجَعون عن الشراء لانْشِغَالِ حُنَيْن مع الأعرابي ظَنًّا منه أنهما سَيَصِلاَنِ إلى حَلٍّ يُرْضِيهِما ويَشْتَرِي الْحِذَاءَ.

 

لَكِنَّ الْمُفاجَأَة الصادمة، والتي لم يتوقَعْها حُنَيْن إطلاقا هي انْصراف الأعرابي بكل بُرُودَة تَارِكًا حُنَيْنا ينظر إلى خُفَّيْه، فَضَاع يَوْمَه ووَقْتَه ولَمْ يَبِعْ شيْئًا، الشيء الذي جعل حنينا يَشْتَعِلُ غَضَبًا، فَقَرَّرَ أنْ يَنْتَقِمَ من الأعرابي، ويَشْفِي غَلِيلَه.

 

أَغْلَقَ حُنَيْن دكانَه وتَتَبَّعَ خُطُوَاتِ الأعرابي، فاسْتَنْتَجَ خَطَّ السَّيْرِ الذي سَيَسْلُكُه، فَسَبَقَه وَرَمَى بإحدى الخفين على الطريق، ثم ابْتَعَدَ بضع أَمْتَار أخرى ورَمَى بالخفّ الثاني، واخْتَبَأَ في مكان يُرَاقِبُ فيه ما يصير منْ أَمْرِ الأعرابي، فلَمَّا وَصَلَ إلى المكان المعلوم انْتَبَهَ إلى خُفّ مُلْقى على الطريق فقال: "ما أشبَهَ هذا الخُفَّ بِخُفّ حنين!، ولو كان مَعَهُ الآخَرُ لَأَخَذْتُهُ"، ومَضَى، فلَمَّا انْتَهَى إلى الْخُفّ الثاني انْدَهَشَ واصْفَرَّ وَجْهُه، وَنَدِمَ على تَرْكِهِ الْخُفّ الأول، ورَجَعَ مُسْرِعًا لِيَأْخُذَه بعد أن ترك راحِلَتَه وراءه .

 

وهنا خرج الداهيةُ حُنَيْن، وأخَذَ الراحِلَةَ وما بها مِنْ سِلَعٍ وهَدايا، حتى إذا رَجَعَ الأَعْرابِيُّ لَمْ يَجْدْ إلا ذِكْرَاها وصَدَاها، فعاد إلى دِيارِه يَجُرُّ أَذْيَالَ الْخَيْبَةِ وَالْيَأْسِ، وحِينَ وَصَلَ أَقْبَلَ عليه قَوْمُه يَسْأَلُونَهُ: "بِمَاذا جِئْتَنَا مِنْ سَفَرِكَ؟ فقال الأعرابي: "جِئْتُكُم بِخُفَّيْ حُنَين".

 

فصار مَثَلاً يُضْرَبُ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنَ الْحَاجَة والرجوع بالخيبة والفشل الذريع.

تعليقات

‏قال عائشى عدلين
علمت هذا الموضوع 🤣👍🏻✨️ درست مع أستاذي في الفصل 🤣 قصة ممتعة!
‏قال Najuu
علم جديد الحمدلله
‏قال Ain
ممتعة جدا😍
‏قال HijanahShah
رائع جدا!!😍